لا منازع لأهمية الدور التي تلعبه العائلة وثقافتها وتقاليدها في حياة الأفراد وقراراتها ومسيرتها, فالوفاء للروابط العائلية أمر يتخطى الحدود والفوارق الحضارية واللغوية. أما في عالمنا العربي التقليدي, فللعائلة حرمة لا تمس وتأتي فوق كل اعتبار, ولطالما ارتبط النجاح في نيل رضى الأهل وبركتهم في الدراسة والحياة العملية والسلوك الأجتماعية, ولكن المصيبة تقع عندما العائلة تسيء القيادة وتفقد الرؤية وتخطىء في الحكم, فتصبح كالبوصلة المكسورة آخذة من وثق في حكمتها واستسلم لقراراتها نحو الهاوية.
وهكذا وقعت الكارثة على نساء عائلة احتضن رجالها أفكار داعش المتطرفة وانضموا الى صفوف مقاتليها جارفين معهم أفراد العائلة نحو الهلاك وبؤس المصير. فلقد كشفت مؤخرا أكبر عائلة جهادية أرهابية في المملكة المتحدة, فبعد استشهاد أزواجهم في القتال مع داعش, بقيت الشقيقتان في مخيم مع أطفالهم في أحوال مزرية وظروف قاسية. كلاهما ريما وزارا إقبال ، من شرق لندن ، محتجزان في سوريا بعد أن قتلا أزواجهما المولودين في البرتغال في القتال مع الدولة الإسلامية المزعومة. ريما التي تبلغ من العمر 30 عاما تخصصت في الدراسات الأسلامية في كانينغ تاون, أما زارا فكانت بنفسها طالبة جامعية قبل أن تترك دراستها للزواج بأرهابي داعشي والألتحاق به, وهي اليوم في خيمة مع أطفالها الثلاثة. أما شقيقتهم ساميلة أقبال فهي متزوجة من الطبيب شاجول أسلام الذي سبق واتهم باختطاف المصور الصحفي جون كانتلي في يوليو 2012.
وحتى بعد قضاء أربع سنوات في عقر معاقل داعش وتحت راية تطرفهم, يصرون تلك النساء على براءتهم ويطالبون بالأفراج عنهم وبعودتهم الى بلادهم. ورغم احتضانهم لسنوات عديدة تطرف أزواجهم وتشجيع سلوكهم الأجرامي بحق آلاف النساء والأطفال العزل, فهم اليوم يملكون من الوقاحة ما يكفي لادعاء السذاجة والبراءة وعدم المعرفة. وهم اليوم يريودون معرفة أسباب اعتقالهم, والأجابة سهلة بل واضحة. فيمكن القول أنهم ضحايا مجتمعهم وتقاليدهم وقرارات ازواجهم التعسفية بحق مدنيين أبرياء, ولكنهم التحقوا برجالهم طوعا, وشاهدوا اجرامهم المتوحش, وقدموا لهم الرعاية والأهتمام لكافة احتياجاتهم, وربوا أشبالا صغارا لدولتهم المشؤومة, فهؤلاء النساء حتما مجرمين وان لم يحملوا السلاح, وهم مرفوضين من قبل مجتمعهم ومنبوذين من قبل بلادهم ومحرومين العودة أليها.