أوهام وخسارات “العرّاب” ماكرون في أفريقيا

(ترجمة من Le Canard enchaîné)

يلعب دور القائد الحربيّ، يقوم بتحضير الانتخابات ويدعو رؤوساء الدّول إلى باريس

 

“لم يتوقّف إيمانويل ماكرون عن ممارسة دور العرّاب لدول السّاحل منذ انتاخبه رئيسًا للجمهوريّة الفرنسيّة”، هذا ما صرّح به رجلٌ دبلوماسيٌّ لا يُخفي عدائه للعمليات العسكرية الانفرادية التّي تقودها فرنسا، مضيفًا أنّ “إيمانويل حاول عبثًا حشد الأفارقة والأوروبيين في ما يخصّ محاربة الإرهاب، كما أنّه يريد الآن الاهتمام بأمور ليبيا، وتوغو، وحتّى اليمن”.

هل يتمتّعُ الرّئيس بطموحاتٍ هائلةٍ في ما يتعلّق بالسّياسة الخارجيّة؟ نعم، وفقًا لما قاله درّاجٌ عجوزٌ تابع للسّفارة الفرنسيّة في أفريقيا: “إنّه يدّعي الكثير من القوّة ويؤمن بنتيجة الانتخابات في هذه البلاد الممزّقة”. في المقابل، لا تشكّ الاليزيه بقدراته وتُعقد جلسات الحوار بشكلٍ منتظم بغية إقناع وسائل الإعلام بفضائل قائدنا الحربيّ.

ومن المؤكّد أنّه ليس لسجلّه الأفريقيّ دورٌ لاستعادة مكانته في الانتخابات. فبعد الأوهام تأتي الخسارات. ففي مالي، على سبيل المثال، حيث تمّ إعلان إجراء الانتخابات الرئاسيّة في 29 تموز، طالب ماكرون بلطفٍ من رئيس أركان الجيش تحضير عمليّة كبيرة لمكافحة الإرهاب وتنفيذها قبل تاريخ الانتخابات. إنّها لمفارقة مأساويّة، لقد كانت الجماعات الجهادية هي التي سجلت النقاط ، وقتلت الماليين، وجرحت الفرنسيين: تمّ شنّ هجوم على المركز القيادي لقوّات مجموعة دول الساحل الخمس G5 SAHELفي سيفاريه في 29 حزيران حيث تمّ تدمير ثلاث أبنية، وعلى خليّة إرهابيّة تنشط في وسط مدينة جاو، بعد يومين.

الاقتراع في المستنقع اللّيبي

يبدو أنّ الإرهاب لم يؤثّر قطّ في معظم السياسيّين المحليّين: إذ تمّت الموافقة على 24 طلب ترشيح للانتخابات الرئاسيّة! هل يشعر هؤلاء الطموحين بالقلق حيال كيفيّة توزيع بطاقات الناخبين في أفريقيا؟ كلّا، لا يهمّ. أراد ماكرون استعجال الأمور من دون الاكتراث ما إذا كان الاقتراع غير النّاجح سيؤدّي إلى إعادة انتخاب الرّئيس ابراهيم أبو بكر كيتا الذّي يحصل على تشجيع بسيط في فرنسا. شكرًا، ماكرون.

أمّا بالنسبة إلى مجموعة دول الساحل الخمس، المجموعة التّي يُعزّها ماكرون، فلا يزال المشاركين فيها غائبين. إذ إنّ طاقمها المكوّن من 5000 فردًا عائدين لخمس دول كان رؤوساؤها قد دُعيوا مرّاتٍ عديدةٍ إلى باريس لا يزال بعيدًا كلّ البعد عن القتال، ولم تصله التمويلات بعد.

لم يحالف الحظّ ماكرون عندما حاول أن يعالج على طريقته المستنقع اللّيبيّ. انعقد مؤتمر دولي في باريس في 29 أيّار للاتّفاق بين رئيس وزراء لا يتمتّع بصلاحيّات واسعة يحكم في غرب البلاد، وماريشال أعلن نفسه رئيسًا في شرق البلاد على الأراضي النفطيّة. إلّا أنّ الفعاليّات الأخرى قد غابت عن طاولة الحوار: ميليشيات من كلّ الجهات، موالي القذافي السابقين، القاعدة، داعش، وغيرها. ولكن قليلًا ما يهمّ رأي الباحثين، والدبلوماسيين، والعسكريين، إذ اتّخذ ماكرون القرار: يجب إجراء الانتخابات الرئاسيّة والشرعيّة في العاشر من شهر كانون الأوّل في هذا البلد الذّي تحتلّه عناصر الإرهاب، والتّهريب. تجرّأ على ذلك…

خسارةٌ أخرى فادحة لهذا الرّئيس الجشع تتعلّق بالحرب في اليمن. كان ماكرون قد قرّر عقد مؤتمر دوليّ إنسانيّ في باريس في 27 حزيران مع السعوديّة التّي تقود تحالفًا تقصف من خلاله الجهة المتمرّدة في هذا البلد الصّغير منذ ثلاث سنوات.

ومن بين الوفود التّي دُعيت إلى المؤتمر: وزراء أوروبيين ووزراء من الشرق الأوسط أو من دول الخليج. وحدهم المتمرّدين اليمنيين لم تتمّ دعوتهم.

إنّ الكفالة التي سيقدمها هذا المؤتمر إلى هذه الحرب السعودية ردعت بعض الضيوف دون شك. ولحفظ ماء الوجه، طلبت الاليزيه من مرفأ أورسيه الإبقاء، في التاريخ المحدّد، على جلسة صغيرة بين الخبراء والدبلوماسيين في المكان والتاريخ نفسيهما للمؤتمر الدّولي الكبير.

على الرّغم من سريّة هذا اللّقاء الذّي تسعى الاليزيه إلى تفادي تعظيمه، إلّا أنّه برهانٌ ممتاز للسياسة الأفريقيّة التّي يتّبعها الرّئيس. لا داعي للقلق، سيستمرّ.